الديوانية (العراق): سام داغر*
لا يعد ذلك مشهدا مألوفا في الدول العربية، ولكن المدرب هنا قرر في يناير (كانون الثاني) الماضي إنشاء فريق للمصارعة من السيدات وهو ما يعد أول فريق من نوعه في العراق، وقد أحبت المصارعات الفكرة وأصبحن يحلمن بالمنافسة في الأولمبياد.
ولكن هناك العديد ـ في هذه البلدة التي تقع جنوب بغداد ـ من ذوي الآراء الدينية المحافظة الذين تحكمهم إلى حد كبير التقاليد القبلية يريدون منع هؤلاء الفتيات من ممارسة رياضة المصارعة على الفور؛ حتى أن أحد رجال القبيلة قال إنه يجب «ذبح» هؤلاء الفتيات إذا استمررن في ذلك، بينما يقول أحد رجال الدين الشيعة إن ذلك الفريق يجب منعه لأن المصارعة تؤدي إلى الاختلاط و«الانتهاكات» ضد الإسلام.
وكنتيجة للضغوط، اعتزلت أربع من المصارعات، ولكن البقية، والمشحونات حتى الآن بالأفكار التي نشأت في ظل الغزو الأميركي والتي تعد بالمزيد من الديمقراطية والمساواة، يتحدين هذه التهديدات.
تقول إكرام حامد، 25 عاما، أحد العضوات في الفريق: «إنهم يعتبروننا منفلتات لمجرد أننا نمارس الرياضة»، وتقول فرح شاكر، 17 عاما: «إنه بالتأكيد شيء مختلف بالنسبة للعراق، ولكنني أحب التحدي».
ولكي نكون عادلين، فإن ما يزعج المتمسكين بالتقاليد ليس مصارعة السيدات فقط، فيقول شيخ حسين الخالدي الشيخ المعمم الذي يترأس المجلس المحلي: «تفيد معلوماتي بأن مصارعة الرجل إشكالية هي الأخرى نظرا للاحتكاكات التي تحدث بين المصارعين»؛ ولكن مصارعة النساء هي ما أثار العاصفة، ويرجع ذلك جزئيا إلى طموحات هؤلاء الفتيات.
وحتى الآن، تم تشكيل ثلاث فرق أخرى في العراق بعد تشكيل فريق الديوانية بدعم من اتحاد المصارعة العراقي. وفي يونيو (حزيران) شاركت كل الفرق في البطولة التي فاز بها فريق الديوانية مما يؤهله للاشتراك في بطولة آسيا في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وقد أسرت المصارعات خيال بعض السكان المحليين والذين أصبحوا يشعرون بأن هؤلاء الفتيات يمثلن تحديا مثاليا للمؤسسة الدينية والقبلية التي تستحوذ على المجتمع وحيوات الناس والتي ازداد تشددها بعد غزو 2003. وقد وصف حيدر وليد، 20 عاما، وأحد المؤيدين الفريق بأنه «علامة على الثورة والحرية».
ويؤكد الجدال الدائر في «الديوانية» الصراع الأساسي الذي يدور في المجتمع العراقي ككل. فقد تراخت قبضة المجموعات المسلحة السنية والشيعية التي كانت تفرض على العراقيين الالتزام بما يعتقدون أنه سلوك أخلاقي، وأصبح العديد من الناس يشعرون الآن بالحرية في التعبير عن أنفسهم بطرق مختلفة. وقد انعكس أثر ذلك في الانتخابات المحلية في يناير (كانون الثاني) التي أبلت فيها الأحزاب العلمانية والليبرالية بلاء حسنا.
وفي أحد الصباحات الماضية الحارة، ذهبت المصارعات ـ بعضهن يرتدين الحجاب، بينما البعض الآخر لا يرتدينه ـ وهن يرتدين الشورتات وفانلات كرة القدم إلى صالة المصارعة بنادي الديوانية الرياضي، حيث ليس مسموحا لهن باستخدام تلك الصالة إلا في حالة عدم وجود تدريب للرجال المصارعين.
وتملأ حلبة المصارعة المتربة القاعة بأكملها، التي تزدان جدرانها بصور مؤطرة لمصارعين وملصقات ملونة لقديسي الشيعة وصورة لعباس فضل جودة المصارع المحلي الذي قتله مسلحون قبل عامين في الديوانية لأنه كان ضابط شرطة الذي أصبح من الأبطال المحليين.
وبعدما انتهين من أداء تدريبات التسخين، شكلت فرح شاكر وأخرى فريقا لكي يتدربا على التشابك بالأيدي وطرح الخصم أرضا تحت توجيهات مدرب الفريق ومؤسسه حامد الحمداني ومساعديه المصارعين المحترفين.
وبخلاف المصارعة الرومانية، تسمح المصارعة الحرة بأن تمسك الخصم من أسفل خصره ومن رجليه لكي تتمكن من طرحه أرضا. ولهذه الرياضة شعبية عالمية إلا أن مصارعة النساء لم تشارك في الأوليمبياد إلا قبل خمس سنوات فقط في أثينا. وهناك دولتان عربيتان أخريان لديهما فرق لمصارعة النساء هما؛ مصر والمغرب.
ولكن فريق الديوانية يواجه ما هو أكثر من العقبات المعتادة على الطريق إلى النصر؛ فبالرغم من أن الاتحاد قد اعترف بالفريق إلا أن أحد مسؤوليه رفض الحضور إلى الديوانية في مسابقة يونيو (حزيران) خوفا من أن يتعرض للقتل، وفقا للسيد حمداني.
وقد طالب شيوخ القبائل الغاضبين في مايو (أيار) الماضي المجلس المحلي بحل الفريق بعدما بثت محطة تلفزيونية مشاهد لإحدى المصارعات وهي تتدرب مع مدربها.
ومنذ ذلك الوقت، يحاول الفريق الالتزام بالتقاليد المحلية، فخلال التدريب ترافق الفتيات السيدة نوال كاظم والدة فرح شاكر الفتيات وعندما ينتهي التدريب، تغادر الفتيات النادي وهن تتسربلن بإسدال أسود يغطي من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين.
ومع ذلك، تتعرض العديد من الفتيات للسب والإهانة عندما ينزلن إلى الأسواق، كما أنهن قد أصبحن منبوذات في المدرسة ويتعرضن لغطرسة المدرسين. وتقول السيدة نوال كاظم التي لديها خمس بنات في الفريق إن أقاربها قد نصحوها مؤخرا بترك الديوانية، كما أنها تتلقى رسائل تهديدات على هاتفها الجوال.
ويقول فارس عباس، 42 عاما، أحد السكان الذين يعارضون إنشاء فريق من السيدات: «سوف تخسر النساء أنوثتهن».
ويقول غيث القيصر، 53 عاما، وأحد مشايخ القبائل إن تلك الرياضة ضد الإسلام والعادات القبلية. مضيفا: «تستطيع النساء أن يمارسن الرياضة في منازلهن».
ومثل العديد من القضايا الأخرى، ينقسم رجال الدين الشيعة حول مسألة مصارعة النساء؛ فالبعض يقول إنه لا يوجد ضرر من ذلك ما دامت النساء ترتدي زيا ساترا بينما يقول البعض الآخر إنه «ممنوع قطعا»، وذلك وفقا لأحد مدربي الفريق الذي استشار السلطات الدينية في مدينة النجف.
ويقول الشيخ خالدي إنه سوف يستمر في حشد الرأي العام حتى يتم إغلاق نادي المصارعة. والشيخ خالدي هو أحد أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى للعراق وهو حزب ديني مقرب من إيران كان يدير المقاطعة حتى انتخابات يناير (كانون الثاني) الماضية عندما خسر الانتخابات أمام حزب رئيس الوزراء نوري كمال المالكي، وبالرغم من أن المالكي إسلامي بالأساس، يفضل حزبه النصح ولا يفضل الإكراه عندما يتعلق الأمر بتغيير قيم المجتمع.
وبالرغم من خسارته في الانتخابات، فإن الشيخ خالدي قال إن حزبه مقتنع بأن العراقيين سوف يصبحون أكثر تحفظا وأكثر ارتباطا بالطقوس والقيم الإسلامية.
ولكن بتول العطية، طبيبة محلية، تقول إنها تختلف مع تقييم الشيخ خالدي للوجهة التي يتحرك نحوها العراق، ولكنها رغم ذلك تعارض إنشاء فريق سيدات للمصارعة. قائلة: «لقد أصبح الدين يدور حول المظهر أكثر مما يدور حول الجوهر».